الحمد لله رب العالمين نحمده ونستعينه ونستهديه
وصلاة وسلاما على من جمعت كل الكمالات فيه وعلى آله وأصحابه وتابعيه
وبعد
:
إخواني الأجلاء :
إِنَّ الإيمانَ اعتقادٌ بالجَنانِ
وإقرارٌ باللسانِ وعملٌ بالجوارحِ, وسعادةُ المرءِ فِي دُنياهُ وأخراهُ لاَ
تتحقَّقُ إلاَّ بالإيمانِ، فهُوَ نورُ الحياةِ الَّذِي يُضيءُ للمسلمِ
طريقَهُ فيُقَرِّبُهُ مِنْ خالقِهِ جلَّ فِي عُلاهُ, ويدعُوهُ إلَى كُلِّ
فضيلةٍ كَالمحافظةِ علَى الصلواتِ وإيتاءِ الزكاةِ وبِرِّ الوالدينِ
ومعاملةِ الناسِ بالحسنَى, والإيمانُ يمنعُ الإنسانَ مِنْ كلِّ رذيلةٍ,
ولقَدْ بيَّنَتْ نصوصُ الكتابِ والسنةِ أَنَّ للإيمانِ آثاراً عظيمةً
وفضائلَ كبيرةً تنفعُ الفردَ والمجتمعَ.
آثار الإيمان في حياة الإنسان كثيرة منها :
( 1 ) تحقيقُ التَّكافُلِ
الاجتماعيِّ بَيْنَ أفرادِ المجتمعِ:
فالمؤمنُ يُنْفِقُ ويُساعدُ
الآخرينَ لأنَّهُ يعلَمُ أَنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ سيُخْلِفُ عليهِ,
وسيجازِيهِ بأعظمِ الجزاءِ يومَ الدِّينِ، قَالَ تعالَى ( آمِنُوا
بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ
فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ) (
سورة الحديد ) .
والمؤمن الناصح الفطن اللبيب هو الذي ينفق ماله
حال كونه مالكا لهذا المال قبل أن يتحول المال إلى ورثته .
وقالَ
سيدنا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :« أَيُّمَا مُؤْمِنٍ أَطْعَمَ
مُؤْمِناً عَلَى جُوعٍ أَطْعَمَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ
ثِمَارِ الْجَنَّةِ، وَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ سَقَى مُؤْمِناً عَلَى ظَمَإٍ
سَقَاهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الرَّحِيقِ الْمَخْتُومِ،
وَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ كَسَا مُؤْمِناً عَلَى عُرْىٍ كَسَاهُ اللَّهُ مِنْ
خُضْرِ الْجَنَّةِ »( رواه أبوداود والترمذي ) .
والعبد المؤمن
ينفق ولو بالقليل ، لان ما هو في حساب الناس قليل ، فهو عند الله كثير .
وكانت
أمنا السيدة عائشة قد تصدقت في يوم بحبة من عنب فلما سئلت عن ذلك ....
قالت : إن الحبة الواحدةفيها مثاقيل الذر ومولانا جل وعلا يقول ( فمن يعمل
مثقال ذرة خيرا يره ) ( سورة الزلزلة ) . .
( 2 ) الإيمانَ يحقِّقُ
للفردِ والمجتمعِ الأمنَ والأمانَ والاستقرارَ :
قالَ تعالَى ( الَّذِينَ
آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأمْنُ
وَهُمْ مُهْتَدُونَ) ( سورة الأنعام ) .
والمؤمنُ يُراقبُ اللهَ
فِي سائرِ تصرفاتِهِ, ويحافظُ علَى أَمْنِ وطنِهِ, لأنَّه يعلَمُ أنَّ
الإِخلالَ بأمْنِ بلدِهِ معصيةٌ للهِ فيَحْذَرُ مِنَ الوقوعِ فيهَا,
وإيمانُهُ يجعلُهُ صادقًا فلاَ يكذبُ، ولاَ يعتدِي علَى أحدٍ ولاَ يُؤذِي
جارَهُ, لأنَّ إيمانَهُ ينهَاهُ عَنْ مثلِ هذَا, وقَدْ قَالَ سيدنا
رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:« الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ
الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالْمُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ
النَّاسُ عَلَى دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ »
( رواه الترمذي )
( 3 )
للإيمانِ آثارُهُ فِي استقرارِ الأُسرةِ وتماسُكِهَا :
فهوَ يدعُو كُلَّ فَرْدٍ
مِنْ أفرادِ الأُسرةِ إِلَى تحمُّلِ مسؤولياتِهِ والقيامِ بواجبَاتِهِ،
فالزَّوجُ يدفعُهُ إيمانُهُ إلَى معاملةِ زوجتِهِ وأولادِهِ بالخُلُقِ
الحسَنِ, قالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:«أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ
إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا، وَخِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِهِمْ»
( رواه الترمذي ) .
والزوجةُ يَحُثُّها إيمانُهَا علَى طاعةِ
زوجِهَا ورعايَةِ أبنائِهَا والمحافظةِ علَى بيتِهَا, قالَ رسولُ اللهِ صلى
الله عليه وسلم :« إِذَا صَلَّتْ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا وَصَامَتْ
شَهْرَهَا وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا قِيلَ لَهَا
ادْخُلِي الْجَنَّةَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتِ» ( رواه
الترمذي ) .
وأمَّا الأبناءُ فالإيمانُ يأمرُهُمْ بطاعةِ
الوالدينِ والإحسانِ إلَيهِمَا, وقَدْ قرنَ اللهُ طاعةَ الوالدينِ
بطاعتِهِ, وقرَنَ شكْرَهُ بشكرِهِمَا, فقالَ سبحانَهُ ( أَنِ اشْكُرْ لِي
وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) . ( سورة لقمان ) .
فآثارُ
الإيمانِ علَى الأُسرةِ عظيمةٌ, لأنَّهُ يجعلُهَا أُسرةً آمنةً مطمئنَّةً
معطاءةً تقدِّمُ للمجتمعِ أفراداً صالحينَ مُصْلِحينَ مُنْتِجِينَ.
( 4 )
الإيمانَ يَحُثُّ صاحبَهُ علَى إتقانِ العملِ والإخلاصِ فِي الوظيفةِ :
لأن ديننا الإسلامي
يحثنا على النشاط والعمل وترك الإهمالِ والكسلِ, والقيامِ بالمسؤوليَّةِ
الَّتِي كُلِّفَ بِهَا كل إنسان منا ,ورحم الله شيخنا الشيخ الخطيب الذي
قال :
الحياة الجد والجد الحياة موت من يكسل أولى من بقاه
ورعايةِ الأمانةِ
الَّتِي حُمِّلَهَا, فتجِدُهُ يغتنِمُ وقْتَ العملِ فِي إنجازِ مَا طُلِبَ
منْهُ, معَ المحافظةِ علَى مكتسباتِ العملِ وأسرارِهِ مُسْتحْضِراً قولَ
اللهِ تعالَى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَخُونُوا اللَّهَ
وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) . ( سورة
الأنفال ) .
وقولَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « لاَ
إِيمَانَ لِمَنْ لاَ أَمَانَةَ لَهُ وَلاَ دِينَ لِمَنْ لاَ عَهْدَ لَهُ »
( رواه الإمام أحمد ) .
فالأمانةُ والإخلاصُ خُلُقانِ أَصِيلانِ
يَنْبُعَانِ مِنَ الإيمانِ، ويتوقَّفُ عليهِمَا جودةُ العملِ، وحُسْنُ
الإنتاجِ.
وإتقان العمل من أهم صفات المسلم ، ومن أسس اتباع سيدنا
رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومن الصدق في محبته .
ولله در
القائل :
من يدعي حب النبي ولم يفد من هديه فسفاهة وهراء
فالحب
أول شرطه وفروضه إن كان صدقا طاعة ووفاء
(
5 ) ومِنَ الآثارِ العظيمةِ للإيمانِ علَى حياةِ الإنسانِ ذلكَ التَّوازنُ
الَّذِي يتَّصِفُ بهِ المؤمنُ فِي جميعِ الظُّروفِ والأحوالِ الَّتي
تَمُرُّ بِهِ:
قالَ صلى الله عليه وسلم:« عَجَبًا لأَمْرِ
الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلاَّ
لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ،
وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ » ( رواه الإمام
مسلم ) .
* * * *
وهكذَا يحيَا المؤمنُ آمناً مطمئنًّا عزيزاً
كريماً سَمْحاً رحِيماً عادلاً أَميناً صادِقاً يصبرُ عندَ البلاءِ,
ويشكُرُ عندَ الرَّخاءِ, ويحبُّهُ أهلُ الأرضِ والسَّماءِ . وأخيرا إخواني الأعزاء :
أقول لكم إن التخلُّقَ بأخلاقِ المؤمنينَ يجعلُ الإنسانَ سعيدًا فِي
الدنيَا والآخرةِ، قَالَ تَعَالَى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ
إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ
آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ *
الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ *
أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ
وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ )(نفال ).
هذِهِ بعضُ
صفاتِ المؤمنينَ, وهذَا جَزاؤُهُمْ.
[color=darkblue]اللهم حبب إلينا الإيمان
وزينه في قلوبنا واجعلنا منن المؤمنين الصادقين المتبعين لسيد المرسلين
.... اللهم آمين .....